الانسولين من اكتشافه الى اليوم

 الانسولين 

تم اكتشاف الانسولين سنة 1920، و من لحظة اكتشافه الى اليوم غير حياة الملايين من الاشخاص الذين يتعايشون مع داء السكري.

الانسولين

ماهو الانسولين، و ماهو الهدف من استعماله؟

الانسولين هو هرمون ينتج باستمرار بكميات صغيرة في البنكرياس، و بالتحديد على مستوى الخلايا بيتا المتواجدة في جزر لانجرهانز، و يتمثل دوره في المحافظة على نسبة معتدلة من السكر في الدم. 

يلعب الانسولين دور مفتاح يسمح للجلوكوز (سكر) المتواجد في الدم بالمرور الى الخلايا ليتم تحويله الى الطاقة الضرورية لحياتها، كما يلعب الانسولين دورا هاما في تخزين الجلوكوز على مستوى الكبد و العضلات، على شكل جليكوجين، و على مستوى الانسجة الدهنية على شكل دهون.

بعد تناول وجبة ما، ترتفع نسبة الجلوكوز في الدم، فيضطر الكبد الى انتاج كميات اكبر من الانسولين لخفض نسبة السكر في الدم. و عليه فنسبة السكر في الدم غير ثابتة في الحقيقة، لكن الجسم يجعلها كذلك بواسطة اليات معقدة اهمها افراز هرمون الانسولين.

عند الاشخاص المصابين بداء السكري، تتضرر آلية الحفاظ على النسبة المعتدلة للسكر في الدم:

  • فإما ان الجسم لا يتمكن من افراز هرمون الانسولين، وهو ما نجده في النوع الاول من داء السكري.
  • و اما ان الكبد يفرز الانسولين، و لكن بكميات اقل عما يحتاجه الجسم، او انه يفرزه بكميات كافية لكن مقاومة الخلايا له تعيقه عن القيام بعمله، وهو ما نجده في داء السكري النوع الثاني.

لذلك نجد ان الاشخاص الذين يعانون من داء السكري النوع الاول، وبعض مرضى داء السكري النوع الثاني، حسب حالتهم الصحية، يحتاجون دائما الى اضافة كمية خارجية من الانسولين الى اجسادهم حتى ينجحوا في الحفاض على نسبة معتدلة للسكر في الدم. يعطى الانسولين للمرضى عن طريق حقن اسفل الجلد، سواء بقلم الانسولين، او حقن الانسولين، او بواسطة مضخة الانسولين.    

بالنسبة لمرضى داء السكري النوع الثاني، فقد لا يحتاجون سوى الى بعض الادوية التي تساعد على تحفيز الكبد لانتاج الانسولين بكميات اكبر، او الى الادوية التي تقوم بتقليل مقاومة الخلايا للانسولين.

تاريخ اكتشاف الانسولين:

تاريخ الانسولين، من لحظة اكتشافه الى يومنا هذا، يتخلله العديد من النجاحات و الامتيازات التي لا حصر لها في مجال الصحة، لما له من فضل كبير على الحالة الصحية لمرضى داء السكري.  

اذا نجحنا في العثور على نصوص من اليونان القديمة تذكر مرض السكري، فاننا نعلم بان اكتشاف علاج له لم يحدث حتى القرن العشرين، والامر يفوق قدرتنا على التصديق! لكن مرضى داء السكري في السابق طوروا نظاما غذائيا منخفض السعرات الحرارية، فيعتمد على البروتين و لا يحتوي على اية كربوهيدرات (اقل من 450 سعرة حرارية)، و قد عرف هذا النظام بـ"نظام البقاء على قيد الحياة"، و مع الاسف فهذا النظام لا يسمح للمرضى سوى باكتساب ايام، او سنوات قليلة من البقاء على قيد الحياة بعد التشخيص.

مع اكتشاف الانسولين، اخذت ابحاث داء السكري اكبر منعطف لها، و بالرغم من ان الامر استغرق سنوات من الاستكشافات، و سلسلة طويلة من التجارب للوصول اليه، لكنه في النهاية كان يستحق كل هذا المجهود. توصل فريدريك جرانت بانتينغ، الجراح الكندي، بالتعاون مع تشارلز بيست، و بدعم من جون ماكلويد، و جيمس كوليب، الى فرضية غيرت حياة المصابين بداء السكري الى الابد: لقد افترضوا بان هناك الية تنظيمية لنسبة السكر في الدم، يؤديها البنكرياس بواسطة هرمون معين.   

سنة 1920، اجتمعوا على استخراج و عزل هذا الهرمون العجيب، الذي تفرزه جزر لانجرهانز المتواجدة في البنكرياس، ليعرف لاحقا باسم: الانسولين. بعد عام واحد، سنة 1921، اصبح الطفل ليونارد طومسون، البالغ من العمر 14 سنة، اول شخص مصاب بداء السكري يتلقى علاج الانسولين، هذا الاكتشاف الضخم منح كلا من بانتينغ و ماكلويد جائزة نوبل في الطب (علم وظائف الاعضاء) سنة 1923.

تم اشتقاق الانسولين الاول من بنكرياس البقر، او الخنازير، و الذي يشبه الى حد بعيد الانسولين البشري، لذلك تم اطلاق الانسولين الحيواني بكميات صناعية فقط سنة 1923. و كان هدف الباحثين بعد ذلك هو تنقية الانسولين، لجعله اكثر فعالية، و لكن ايضا للتقليل من ردود الفعل التحسسية ضده.

في عام 1935، اضاف هانز كريستيان هاجيدورن، البروتامين، الذي و بالاضافة الى التاثير المتاخر للزنك، كان المصدر الاصلي لاول انسولين بطيء! اطلق على هذا الانسولين الجديد اسم انسولين بروتامين الزنك اوIPZ اختصارا. في وقت لاحق نجح باحثون دانماركيون في تطوير نوع محايد من الانسولين المتوسط المفعول، و الذي لا يزال مستخدما الى يومنا هذا.

لم يتم اكتشاف التركيب الكيميائي لجزيئة الانسولين بشكل دقيق، حتى عام1955، عندما نجح فريدريك سانجر، عالم الكيمياء الحيوية الانجليزي الاصل، في ايجاد الوصف الدقيق لها مسلطا الضوء على الاختلافات الموجودة بين الانسولين البشري و الانسولين الحيواني. وهذا الاكتشاف الاخير كان سببا في اطلاق هرمون الانسولين الصناعي الى جميع بقاع العالم.

نجحت مختبرات ايلي ليلي، و لاول مرة، في استنساخ جين الانسولين البشري سنة 1978، وهو ما مهد الطريق لانتاج الانسولين عن طريق الهندسة الوراثية، ليصبح الانتاج الصناعي للانسولين البشري ممكنا في النهاية. و قد تم اختراع مضخة الانسولين هي الاخرى في الثمانينات ايضا.         

منذ ذلك الحين، انفجرت ثورة في عالم الابحاث، ليتم صنع جزيئات جديدة من الانسولين او ما يعرف بالنظائر، متميزة بسرعات مختلفة (الانسولين السريع، المتوسط، و البطيء)، بتراكيز مختلفة، و بفترات عمل مختلفة ايضا. لتسهل علينا التحكم  في داء السكري بشكل افضل. 

اما بالنسبة لداء السكري النوع الثاني، فقد تم اكتشاف العديد من الادوية التي يمكن تناولها عن طريق الفم، و التي تتحكم بشكل مبهر في نسبة السكر في الدم، وهي تنقسم الى نوعين:

  • مفرزات الانسولين: وهي ادوية تحفز البنكرياس على انتاج كميات اكبر من الانسولين.
  • و محسسات الانسولين: وهي ادوية تزيد من حساسية الخلايا للانسولين.

بعد اقل من قرن، تطورت التكنولوجيا بشكل غير قابل للتصديق، فظهرت اجهزة القياس المستمر للجلوكوز، و انظمة البنكرياس الصناعي، التي جعلت من العلاج بالانسولين اكثر تحررا، و فعالية. و الى اليوم مازالت الابحاث مستمرة، و يامل الباحثون في تحقيق نتائج مبهرة خاصة في مجال زراعة جزر لانجرهانز...

انواع الانسولين:

اليوم، اصبح لدينا نوعان من الانسولين المعد للحقن، و كلاهما يتم انتاجه في المختبرات لعلاج داء السكري:

  • ادوية الانسولين البشري: و هذه الفئة من الانسولين يمكن تشبيهها بالانسولين الطبيعي الذي يقوم البنكرياس بافرازه، و استخدامها اصبح يقل شيئا فشيئا بمرور الوقت.
  • نظائر الانسولين: و التي تمتلك بنية قريبة جدا من الانسولين البشري، غير ان التعديل على بنيتها الجزيئية، سمح لنا بالتحكم في خصائصها، كمدة، و سرعة عملها، و تعد هذه النظائر اليوم اكثر شيوعا من ادوية الانسولين البشري. 

سواءا بالنسبة للانسولين البشري، او لنظائر الانسولين، فان هناك انواع مختلفة من الانسولين وفق مدة و سرعة عملها:

  • الانسولين السريع: يحقن قبل الوجبة، يبدا تاثيره بعد 10 الى 30 دقيقة، و يستمر الى 5 ساعات، يسمح هذا النوع للمريض بالتحكم في نظامه الغذائي اكثر، من حيث الكمية، و من حيث تقسيم الوجبات اثناء اليوم، و بالتالي لديه ميزة كبيرة في تحسين جودة حياة المريض.
  • الانسولين البطيء: يتعلق الامر بنوع من نظائر الانسولين الطويلة المفعول، يبدا مفعولها بعد ساعة الى ساعة و نصف من الحقن، ويمكن ان يبقى تاثيرها حتى الـ24 ساعة، حسب الجرعة، و حسب نوع داء السكري، لذلك تستخدم كعلاج قاعدي، و تشمل هذه الفئة ايضا الانسولين المتوسط المفعول و الذي تصل مدة تاثيره الى 18 ساعة.   
  • الانسولين المختلط المتوسط المفعول: بالاضافة الى الانواع السابقة، يمكن لمرضى داء السكري استخدام الانواع الثنائية الطور، وهي عبارة عن مزيج مختلط معد سابقا، يحتوي على نسبة محددة من الانسولين البطيء او المتوسط، و نسبة من الانسولين السريع.

يعتمد اختيار نوع الانسولين لعلاج داء على عدة عوامل تختلف من مريض لاخر.

الانسولين عن طريق الفم او الاستنشاق:

حاليا تتم دراسة بدائل اخرى للانسولين الذي يعطى للمريض عن طريق الحقن، كرذاذ معد للاستنشاق، او اقراص لابتلاعها عن طريق الفم.

ان تطوير اقراص من الانسولين تاخذ عن طريق الفم، يقدم العديد من المزايا لمرضى داء السكري، غير ان الباحثين يواجهون صعوبات كثيرة، من بينها العثور على طريقة تسمح بحماية الانسولين داخل المعدة و الامعاء، قبل وصوله الى الكبد.

لعدة سنوات، استمرت فرق البحث في تجربة الفرضيات واحدة تلوى الاخرى، و احدها هو تطوير جزيئات نانوية من الانسولين المغلف بقشرة مزدوجة، وقد تم تجربتها على عدة نماذج من الحيوانات، لتنجح في خفض نسبة السكر في الدم، و تعطي مفعولا شبيها بذلك الذي يقدمه الانسولين البطيء المفعول. 

تشير هذه النتائج الى ان تطوير اقراص الانسولين ممكن جدا في المستقبل القريب، و مازالت الدراسات مستمرة لتقييم فعاليتها على مرضى داء السكري، وعلى قدرتهم على تحملها. 


















 

الانسولين من اكتشافه الى اليوم
الدكتور مكي هيثم

تعليقات

google-playkhamsatmostaqltradent